الفتنة، قديماً وحديثاً


 




وقعت جريمة (الإفك) منذ (١٤٠٠) عام تقريبا، ولا يزال المسلمون وتحديدا شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يعانون من تبعاتها ويكتوون بفتنتها، وكلما خمدت نارها، جاء من أراد الطعن في شيعة أهل البيت (عليهم السلام) واستخرجها لتسعير الفتنة ونفخ في رمادها، وهكذا. جريمة (الإفك) قائمة على البهتان والطعن، وهي في ذات الوقت (وقود فتنة) بيد السفهاء والجهلة، وقبلهم الحاقدون، الذين لا يريدون بالأمة خيرا. ويمكن اعتبار جريمة (الإفك) من أقذر الجرائم ولكنها من أشد الفتن أيضا التي تم استغلالها بأقذر الأساليب، كلما أراد مستغلوها توهين شيعة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصا عندما يتولى تسعيرها من يتلبس بالدين، متسلحا بالشبهات والمغالطات، التي يدحضها العقل والمنطق ويدحضها تاريخ ضحايا هذا (الإفك). وعلى نفس هذا المنوال وبنفس هذا النهج يسير بعض المتلبسين بالدين والمتنطعين بدعوى الاحتياط والورع، تم استحداث (بهتان قبيح) أُلصق بفئة يشهد لهم القاصي والداني ممن عرفهم، بالإيمان والتعقل، وبأن ذلك مما لا ينسجم مع أخلاقهم ولا مع سجاياهم. وقد جدّ في اخراج هذا البهتان (عصبة من الأسرة) أزّهم به ودفعهم وحرضهم عليه (عصبة) من خارجها، ودفعهم للتوغل فيه والإمعان بارتكابه، جهل المحيط (بتاريخ) مادته، من جهة، ومعرفة هذا المحيط (بجزء يسير من هذا التاريخ) فكان ذلك كما قال أمير المؤمنين عليهم السلام في الشبهات:

«وَلَوْ أَنَّ الْحقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ؛ وَلكِن يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ! فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَيَنْجُو {الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى}».

ولا شك أن جريمة (الإفك) تم إخراجها بصورة وبطريقة لا يمكن الاستخفاف بها، فلا طبيعة التهمة والبهتان، ولا طبيعة رواجها، ولا طبيعة تلقف البعض لها يمكن اعتبارها أمرا ساذجا، وما نزول الوحي لدحضها إلّا دليل على فداحة الجرم أولا، وتأثير قنواتها في المجتمع الاسلامي.

وما تزال تبعات وآثار تلك الجريمة تتجدد بين حين وآخر، بعد أن استغلها مؤججوا الفتن حتى عصرنا الحاضر، والدولاب مستمر ومتوارث بينهم كأنه تجسيد لقوله سبحانه {أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}. إن جريمة (الأفلام) بحق الأسرة (عموما) التي أخرجتها تلك(العصبة) ستبقى مادة (ابتلائية) يتلقفها مؤججوا الفتين الذين لن تردعهم ضمائرهم عن الأخذ بمنهج القرآن الكريم الواضح والصريح {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} لأنهم لا ينتمون لفئة {الَّذِينَ آمَنُوا}.

ما أسهل دحض الأكاذيب التي أوردته تلك (العصبة) في أفلامها ببهتانها وما أسهل كشف مغالطاتها، سواء (بالوثائق) أو بالمنطق والعقل والعقلانية.

ولكن، أي منهج وأسلوب سيحكم المؤمنين بعد ذلك، أيتم تسليم هؤلاء السفهاء موادا جديدة (كأدلة إثبات وثبوت) لدورة جديدة من السفاهة والتفاهة، كما شهدناها وشهدها الجميع على مدى سنوات...؟!

أم نستعيد جولات من شد العصب وتسعير الفتنة، كما شهدناه خلال سنوات مضت، حيث قلبوا فيه المفاهيم، بحيث أصبحت (قطيعة الرحم) لدى هذه العصبة (هي من الأمر بالمعروف) وترويج الأكاذيب (هو إحقاق الحق) وهتك ذرية رسول الله ( إنما هو تقرب إلى الله ودفاعا عن نسب رسوله) ولا يزال هؤلاء السفهاء مصرين على هذا النهج كما تشهد بذلك كتاباتهم الصريحة دون رادع من ضمير، ولا وازع من دين،..؟

فمع شدة الابتلاء ووقوع بعض الأعزاء -مع شديد الأسف- في ما لُبّس عليهم به، من الشبهات والمغالطات، ووقوع بعضهم في ما لا يحسن للمؤمنين الوقوع فيه، بحيث أصبح هؤلاء الأعزاء يرون في تطبيق القواعد الشرعية (وجوب حمل فعل المؤمن على الصحة) في هذه المسألة (خلافا للشرع الشريف).!

مع كل ذلك، لم نجد غير التغاضي والصبر والتعقل أمام استفزازات بعض الجهلاء من الأقربين و(الأبعدين) تأسيا بموقف أمير المؤمنين عليه السلام: «فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذًى ، وَفي الحَلْقِ شَجاً...»

ولعل ما رأيناه ولمسناه ورآه ولمسه غيرنا، دون تكلّف، أن (حالة من الترهيب) كانت مصاحبة وملازمة في هذه الفتنة، أمام أي محاولة لتطبيق القواعد الشرعية، ولا ينكر ذلك سوى مكابر ومعاند. وهذا مما يسهّل للباحثين عن الحقيقة، أن ما جرى وما تم ترويجه من (أفلام) مهما كانت جودة ظاهرها وأساليبها، وما تم دسّه فيها من ألاعيب مكشوفة ودسائس (غير مألوفة) كل ذلك يكشف درجة (إفك) هذه العصبة(المستحدث) والبهتان العظيم وما ارتكبوه {وَلِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ}.

 فما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه مثيري الفتن سابقا ولاحقا.

 قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

 

 ٢٤ ذوالقعدة ١٤٤١ هجري

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملاحظات تاريخية حول بحث «الأحسائيون ونشأة الدمام » (*)

مجتمع الصاغة ليس (بعض) سفهائه

الوحدة الاجتماعية في التعليم والقضاء بمنطقة الأحساء في 200عام (*)