ملاحظات تاريخية حول بحث «الأحسائيون ونشأة الدمام » (*)
طالعت بشغف كبير بحث الأستاذ خالد النزر «الأحسائيون ونشأة الدمام»المنشور بقسميه الأول والثاني في مجلة «الساحل» والذي أفاض فيه الباحث بشكل مفصّل بما قدمه من معلومات قيّمة تدل على تتبعه واهتمامه الملحوظ بها، مما دفعني إلى توضيح بعض ما ورد فيه، كي يبقى ذلك الجهد الرائع مرجعا هاما عن هذا المجتمع الحديث نسبيا، ولقلة المصادر التاريخية في هذا الشأن.
وقد لفت نظري عدد من الملاحظات في القسم الثاني المنشور في العدد (٢٠) التي أرى التنويه عنها لتعزيز موضوعية البحث لأهميتها، حفاظاً على الهوية التاريخية لهذا المجتمع الأحسائي الذي أبرز البحث دورَه الريادي في نشأة هذه المدينة ودوره في نشأة حاضرة الدمام بشكل عام.
ومما لا يخفى أن لهوية كل مجتمع، معالمَ يُعرف بها ويتميّز وجوده من خلالها، فتارة تكون هوية قومية، وتنطلق من الانتماء العرقي، وتارة قبلية وتنطلق من الأنساب، أو هوية مذهبية وتنطلق من المعتقدات، ولأن هذا الأخير هو أهم العناصر التي حدّد بها الباحث هوية المجتمع (الأحسائي) فقد كان هو مدار البحث في قسمه الثاني حول مجتمع (الشيعة)الأحسائيين بالدمام.
إن هذه الهوية الدينية تدعونا للتوقف عندها، كمكوّن رئيسي لهذا المجتمع وعلاقة هذه (النشأة) بـ (المسجد والحسينية) لتفهّم تدوين هذه الملاحظات التي سأوردها في هذا التعقيب لإتمام ما قدّمه الأستاذ الباحث خالد النزر:
الملاحظة الأولى: استحضار الهوية التاريخية واستنطاقها.
ورد في الصفحة (٥٣) ما يلي :
(( وقد بدأ الحساوية بتأسيس مكان لإقامة صلاة الجماعة…))
جاء ذلك في سياق رسم ملامح النمو لأحد المكونات الاجتماعية بالدمام، بعد أن قسّم وصنّف الباحث مكوناته الأخرى، ولا يخفى أنه كان يقصد «الشيعة» من «الأحسائيين» حسب سياق البحث بهذا «التأسيس» في نصّه.
ولم يشر الباحث إلى تاريخ هذه البداية، حتى بشكل تقريبي، بل تركها مبهمة، مع أنها كانت تمثل منعطفا لتشكّل هوية المجتمع الأحسائي (الشيعي) بالدمام وتشكّل مفاتيح معرفتها بشكل دقيق، مع أنه أشار قبل ذلك في صفحة (٥٣) بقوله «وكان قبل ذلك بفترة طويلة قد تمّ بناء مجلس للقراءة الحسينية على أرض قريبة من المسجد وكانت مُلْك طاهر الخليفة»..(انتهى) إلّا أنه لم يذكر أي تاريخ بخصوصها ولم يقرنها بما يقرّب زمنها لأهمية سياق ذلك، ولكي لا تنسب هذه الجهود ولو بصورة جزئية، لأي شخصية ليس لها دور في ذلك، كما قد يُتوهم من آخر البحث المذكور.
فاستنادا للفتوى الموجّه للمرجع الديني آية الله السيد محسن الحكيم (قدس سره) بتاريخ ١٣٨٣/٩/٢٠ هجري تؤكد أن البداية الفعلية كانت قبل هذا التاريخ، وهذا نصّها :
بسم الله ت [تاريخ] ١٣٨٣/٩/٢٠ هجري
إلى حضرة سيدنا وعمادنا آية الله السيد محسن الحكيم المحترم
دام ظله على المؤمنين بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والسؤال عن احوالكم متعكم الله بصحة وعافية وطال عمركم بحق محمدٍ وآله عليم السلام وبعد نرفع لحضرتكم ان الدمام اليوم أكبر عاصمة في المملكة اليوم وهي جديدة لم يكن فيها شعار [لـ]لشيعة ولا مسجد ولا مأتم وفيها سكان شيعة كثيره من كل مكان واحببنا مسجد[اً] للصلاة وماتم لتعزية الإمام الحسين عليه السلام .
وعرضنا [الـ] مسئلة على العلامة السيد محمد بن السيد حسين العلي [بـ] أن يأذن لنا في شيء من حق الامام وغير ذلك فقال لا بد من مراجعتكم في ذلك ،نرجو من الله ومنكم الاذن في ذلك بوجه السرعة واشعار العلامة بذلك السيد محمد ويجعلكم حماتاً وعماداً للمؤمنين وهذا ما لزم رفعه مع [إ]بلاغ السلام الاولاد وجميع المتعلقين كما منا العلامة السيد محمد واخوانه والمشايخ والمتعلقين. صح علي حسين المحمدعلي و حسن محمد النمر من الدمام عمارة السلام.(١) (انتهى).
وكان يتضمن هذا الطلب الموافقة لإنشاء (مسجد ومأتم ) وتم ذلك.
إن هذه الوثيقة تحدد لنا الانطلاقة الفعلية لتبلور هذا المجتمع موضوع البحث، حيث كان موقع المسجد والحسينية كما حدد وأشار الباحث.
ويظهر من وثيقة أخرى (استفتاء) مؤرخة في ١٥ شعبان ١٣٨٥ هجري من المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم(قدس) أن قيمة أرض المسجد كانت «بمال تبرع به أهله وجمع لهذا الغرض»(٢)، وكان الغرض من الاستفتاء هو بقصد توسعة المساحة والاستئذان «لمن لديه شيئ من سهم الإمام أن يدفعه في سد باقي الثمن»(٣)
وكان القائم بشأنهما المرحوم ياسين بوحليقة (بوحبيب) فترة من الزمن، وهو ممن أسهم في جمع التبرعات المالية لغرض تأسيس المسجد والحسينية(٤).
ويأتي التأكيد على أهمية تحديد هذا التاريخ وهذه الأسماء لما لها من أهمية وتأثير كبيرين على ما ذكره في آخر في بحثه، و لعل البعض لم يجد مبررا في اختزال جهد مجتمع متكامل لإجحاف حقه ودوره الحيوي أو تهميش جهوده الكبيرة، التي بذلها بتكاتفه قبل استقرار أي عالم دين بينهم.
بعد هذا العرض الموجز، لنقرأ سطور كاتب البحث بالتتالي، لمعرفة منهج تقييمه لجهد وسعي الشيعة الأحسائيين ما قبل وما بعد استقرار سماحة السيد علي السلمان، في سطوره التالية:
- (وقد بدأ الحساوية هناك بتأسيس مكان لإقامة صلاة الجماعة)(٥).
- (ومع استقرارهم في الشعيبة، فكّروا أيضا في إقامة مكان لإقامة صلاة الجماعة)(٦).
فالإرادة والفعل منسوبة للمجتمع، ويظهر أن فكرة إيجاد مصلى للشيعة في (الدمام) والاصرار عليها حاضرةٌ في الوجدان، و يظهر أن العمل على تنفيذها (سابقٌ) على استقرار (السيد علي السلمان) في الدمام، غير أن تعبير الكاتب الموقر اتخذ مساراً آخرا، حين بدأ الحديث عن تأسيس مصلى أو مسجد في الدمام (بعد استقرار) السيد السلمان، كما في هذا العبارات:
- (ثم عمل السيد علي [السلمان] على إنشاء مصلى)(٧).
- (وعندها عمل السيد علي على أن يقام مسجد لأهالي الدمام)(٨).
فقد اختُزلت هذه الإرادة واختُزل الفعل أيضا في شخصيته..!
إن هذه الاختزال لإرادة ودور مجتمع كامل لتحقيق هذا الهدف، وتغييبها أو نسبة جهود رجاله مجتمعين في شخصية واحدة، هو (السيد السلمان)، أمرٌ يصعب تقبّله، فهو لا ينسجم مع التاريخ السابق على وجوده، ولا ينسجم مع ثقافتهم المتجذّرة بالسعي الحثيث والجاد لإيجاد مسجد في (الدمام) منذ أن تواجدوا فيها، وإن جاء هذا الاختزال بحسن نيّة، فلا يصحّ من جانب تأريخ الأحداث وكتابتها وتدوينها، لأن الباحث الموقر، خصّص آخر بحثه للتنويه بالدور الريادي لهذه الشخصية العلمية، فيكاد القارئ أن يتوهم من خلال سطوره فيها، أن هوية وحيوية هذا المجتمع وإرادته كانت معدومة (قبل استقرار) هذه الشخصية العلمية، وهذا أمر فيه التباس احتاج الى توضيح وجلاء.
ثم جاء استقرار السيد علي السلمان كعالم دين بينهم بطلب من كبار ووجهاء مجتمع الصاغة بشكل خاص واختيار منطقة تواجدهم لاقامته في حي (الشُعَيبة) لما استشعروا من أهمية وجود مرشد ديني بينهم، وكان ذلك بعد إغلاق المسجد والحسينية، ولم يتوقف سعيهم الحثيث في بذل الجهود والمحاولات للحصول على موافقة رسمية لتحقيق ذلك، كما أشار الباحث من خلال شروعهم في بناء مسجد (آخر) في هذا الحيّ (الشُعَيبة) بقوله في صفحة(٥٥)«حيث تم إيقافه، ثم إزالته لاحقا، فبقيت صلاة الجماعة والقراءات الحسينية في المناسبات تُقام في منزل حسن النمر وحسين المحمد علي وعبدعلي وأبناء حسين النمر» ويجدر التنبيه أنه لم يُعرف أحدٌ باسم (أبناء) حسين النمر، في حيّ(الشُعيبة)، ممن يستضيف صلاة جماعة أو مآتم حسينية حتى رحيلهم جميعا عن ذلك الحيّ.
فهذا المصطلح (أبناء) كان شبه منحصرٍ في (٤) بيوت ممن يقوم بذلك، من هذه الأسرة، مع وجود غيرهم، كأفراد ولكن دون النسبة، وهذا الحصر في:
- أبناء السيد علي بن أحمد النمر، ويُعرفون بـاسم (العلي) ومنهم السيد عبدعلي النمر المذكور.
- أبناء السيد حسن العبدالله النمر، ويُعرفون باسم (العبدالله)
- أبناء السيد علي البوسليمان ، ويعرفون باسم (آل بوسليمان)
- أبناء محمدالحسين النمر، ويُعرفون باسم(المحمدالحسين) ومنهم حسن النمر المذكور.
فالنسبة التي أوردها الباحث «أبناء حسين النمر» لا تنطبق على أحد، لا سابقا، ولا لاحقا في ذلك الحيّ (الشُعَيبة).
ومن الجدير ذكره، أن صلاة الجماعة أقيمت في المسجد الأول في (حيّ الدواسر) بإمامة العديد من العلماء الذين كانوا يُستضافون بشكل مؤقت وبالتناوب، لعدم وجود مرشد ديني مستقر في الدمام، حتى صدر أمر بإغلاقه ومنع الصلاة فيه، من قبل الجهات الرسمية.، وكان منهم (٩):
- سماحة المرحوم الشيخ حسين الخليفة (١٣٢١-١٤٢٦ هجري).
- سماحة المرحوم الشيخ صالح السلطان (١٣٤٣-١٤٣١ هجري).
- سماحة المرحوم السيد أحمد الطاهر(١٣٢٦- ١٤١٧ هجري).
- سماحة المرحوم السيد هاشم بن السيد حسين العلي ( ؟ - ١٣٩٠هجري)
- سماحة السيد محمد علي العلي.
- سماحة السيد علي السلمان.
- الشيخ عبدالله بن حسن السميّن. (١٣٤٠- ١٤٠١ هجري)
وأما (الحسينية) فقد قرأء فيها عدد من الخطباء، ومنهم (١٠):
- الخطيب السيد ملاناصر النمر.
- الخطيب السيد حسين الشامي(من العراق)
- الخطيب ملا أحمد الطويل (من تاروت).
- الشيخ عبدالله بن حسن السميّن.
- الخطيب الملا أحمد السميّن.
- الخطيب السيد محمد الملاناصر النمر.
- الخطيب ملا أحمد بن خميس (من سيهات).
ولعل من الأهمية التذكير بأن قيمة الحسينية (الموقوفة) في حي الدواسر قبل عام ١٣٨٥ هجري، كانت عبارة عن تبرعات مالية من أبناء هذا المجتمع الأوائل، ثم تم تحويل قيمتها بعد البيع(١١) لبناء ما عُرف الآن باسم (المجلس الكبير) في حيّ العنود بالدمام، وأما الأرض، فقد تبرع بها المرحوم ( الحاج صالح العسكر).
ولا يخفى بأن المجلس الكبير بالعنود« له خصوصية تجعله من أهم الأوقاف في هذه المدينة، ذلك لأنه الوحيد الذي لا يختص بعائلة أو فرد»(١٢).
الملاحظة الثانية: مجتمع الصاغة وخريطة تواجدهم
ورد في الصفحة (٥٥)ما يلي:
(( وقد بدأ الصاغة بالسكن في الدمام كعزّاب في بادئ الأمر، لكنهم بعد جلب عوائلهم بدؤوا بالسكن في حي العدامة مع بداية نشأته في ذلك الوقت. وتجمّعوا في منطقة أطلقوا عليها اسم(الشُعَيبة) تصغيرا للشعَبة وهو اسم حيّهم الأصلي في مدينة المبرز.))
والصحيح: أن كثيراً من منهم أقاموا مع عوائلهم في حيّ (الدواسر) وكانوا يطلقون (هم) على هذا الحي اسم (الدِيْرة) وكانوا هؤلاء يشكّلون النسبة الأكثر من مجتمع الصاغة حتى بداية التسعينات الهجرية في جوار بقية الأسر الأحسائية، من الهفوف والقرى الأحسائية، حتى انتقل أكثرهم إلى حي (الشُعيبة) المذكور في بداية التسعينات الهجرية، ملتحقين بمن سبقهم فيه، ولكن بقي بعضُهم في حي الدواسر (الديرة) حتى نشأة حي بورشيد الجلوية (بورشيد) وحي (العنود) واستقروا فيهما لاحقاً في حدود ١٤٠٠ هجري ولم يكن لهم تواجد في حي (الشُعيبة) أصلاً.
الملاحظة الثالثة: الترحال والاستقرار في الثقبة.
ورد أيضا في الصفحة (٥٥) ما يلي :
(( أما الثقبة فلم يقم مهنم هناك إلاّ عدد قليل حيث كانوا يفضلون الذهاب من الدمام الى محلاتهم هناك.))
والصحيح:
أنه أقام في مدينة الثقبة عدد لا بأس به من الصاغة الأحسائيين مع عوائلهم فيها منذ عام ١٣٨٥ هجري ومنهم شيخ الصاغة المرحوم محمد بن علي الأربش واستمر فيها بوجود أبنائه وهم الحاج الوجيه عبدالله و الحاج الوجيه جواد والحاج الوجيه جمعة وحسين، وممن استمر وجوده فيها المرحوم الحاج عبدالله الأربش (بوياسين) وأبنائه الحاج ياسين والحاج حسن وكذلك المرحوم الحاج عبدالحسين الدجاني، والحاج عبدالله بن أحمد العبدالعزيز الناصر، والمعلوم أن أكثرهم استقر بها حتى عام ١٤١٠هجري، وإكمالا للأولويات الذي ذكرها الباحث عن الأحسائيين في البحث، فقد كان أول شيخ للصاغة في مدينة الثقبة هو المرحوم السيد علي بن السيد محمد الناصر المبارك.
الملاحظة الرابعة: المأتم النسائي
ورد في الصفحة (٥٣-٥٤) ما يلي:
( أما القراءة النسائية [المأتم] فكانت في منزل الحاجة أم فاضل بوصالح)
وننوه هنا بأن الاسم الصحيح للمقصودة هي (أم فاضل الشواف) كما يجدر أن نشير إلى وجود مآتم أخرى مستمرة وثابتة في تلك الفترة منذ عام ١٣٨٣هجري غير المأتم المذكور وكان منها:
١- مأتم المرحومة أم علي الأحمد( قبل عام ١٣٨٣ هجري)(١٣)
٢- مأتم السيدة أم محمد مناحي النمر (قبل عام ١٣٨٥هجري)(١٤)
٣- مأتم أم السيد عايش النمر ( في عام ١٣٨٩ هجري)(١٥)
الملاحظة الخامسة: مصليات لا وجود لها.
ورد في الصفحة (٦١) ما يلي :
(فالسيد [علي السلمان] كان من المترددين على مجتمع الأحسائيين في الدمام منذ العام (١٣٨٨هـ) حين كان يأتي من النجف في بعض الزيارات ويقيم صلاة الجماعة في المصليات التي كانت موجودة آنذاك.)
أقول: لا يوجد بالدمام مصليات أخرى للشيعة بالدمام في تلك الفترة المحددة والمعنية بتردد السيد على مجتمع الأحسائيين بالدمام، غير ذلك (الوحيد) الذي تم إغلاقه قبل عام (١٣٩٦ هجري) في حيّ (الدواسر) وهو العام الذي استقر فيه السيد السلمان بالدمام.
ولا نعلم عن أي مصليات تحدث الباحث الموقر، إلاّ إن كان يقصد بذلك زيارات سابقة قبل إغلاق المصلى والحسينية المذكورَين، علما أن السيد السلمان ممن أمّ صلاة الجماعة فيه قبل استقراره في الدمام.
ومع وجود زيارات تواصل للسيد المذكور قبل استقراره بالدمام -حسب ما ورد في بحث الاستاذ النزر- في عام (١٣٩٦ هجري) لهذا المجتمع كغيره من الخطباء وطلّاب العلوم الدينية التي لم تنقطع استضافتهم من وجهاء هذا المجتمع المتديّن، فصلاة الجماعة تقام في المنازل عادة، إذا زارهم أحد طلاب العلم حين دخول أوقات الصلاة، في المناطق التي لا توجد بها مساجد أو مصليات، و لا يمكن اعتبارها مصليات بالمفهوم المراد في هذا البحث، ولا يمكن اعتبارها صلاة جماعة ثابتة أو مستمرة.
الملاحظة السادسة : الشمولية والجزئية، بين الرأي الشخصي وبين الواقع التاريخي.
تمنيت أن تكون الفقرة المعنونة بـ (الرمز الوطني السيد علي السلمان) بعيدة عن هذا البحث التاريخي، لأنها تضمنت آراء وتقييمات خاصة بالباحث نفسه، لا علاقة لها بتاريخ الأحسائيين (الشيعة) بل هي تقييم وآراء (شخصية) لمنهج شخص قيادي، هو السيد علي السلمان.
ولا يستطيع أحد أن يصادر حق غيره في التعبير عن آرائه وتقييمه، إلاّ أنها مرتبطة ومبتنية على مقدمات نسبية تحتمل الاختلاف، كما أنها قُدمت للقارئ كتاريخ، ومن ذلك ما أورده الباحث في الصفحة (٦٥) بقوله :
( لذلك واجه [السيد علي السلمان] العديد من الانتقادات والطعنات من بعض المتحمّسين من أبناء مجتمعه أو الباحثين عن القيادة والبروز مهما كان الثمن، فتارة يُتهم باحتكار المسجد له ولأبنائه، لأنه لم يسمح لفلان أو فلان بإمامة الصلاة وقت غيابه وتارة يتهم بالسلبية وعدم المطالبة بحقوق الطائفة)(١٦)..!
أقول : من الأهمية التنويه بأن هذه الآراء الشخصية استندت على طبيعة علاقة السيد علي السلمان بمحيطه الاجتماعي، بعد أن أصيبت تلك العلاقة بنوع من التأزم (خلال الخمس سنوات الأخيرة) أي منذ عام (١٤٢٩ هجري) وقد أسقط الباحث رأيه ذلك على علاقة امتدت لأكثر من (٣٥) عاما، وهذا لا يتناسب مع مقام تقديم صورة عن تاريخ مجتمع امتد وجوده أكثر من (٥٠ عاما) بناءاً على ما ينقله لهم المؤرخون، خصوصا إذا كتبها من عُرفوا بالموضوعية كالأستاذ النزر.
فلا يمكن إذا محاكمة علاقة امتد عمرها أكثر من (٣٥) عاما من منظور جزء يسير(جدا) لا يتجاوز (٥) أعوام فقط، إذا أردنا تقييمها أو إصدار الأحكام فيها وتقييمها بشكل دقيق.
إن علينا كمهتمين أن نقرر بأنه لم يتنكر أحدٌ لجهود السيد علي السلمان التي بذلها في ربط أجزاء المجتمع ببعضها، بما أتيح له من إمكانيات كبيرة قدّمها له المجتمع الذي احتضنه منذ أن استقر بينهم كوكيل شرعي (وحيد)، ولم تكن فيها العلاقة مع محيطه الاجتماعي إلاّ على خير ما يرام، طوال أربع عقود مضت، فقد كان يمثل فيها السيد السلمان محورا لحركة مجتمع الأحسائيين المتديّن بالدمام، لأن الالتفاف حول رجل الدين، ثقافة لا يمكن فصلها عنه، ولا انتزاعها من هويته أيضا، فكيف بمن سُلمتْ طوعا له مقاليد مركزية هذا المجتمع الناشئ نسبيا، وفي فترة تمثل تحدّيا لا يخفى على أحد..؟
كان السيد السلمان في مقام الأبوة للجميع، حتى مع وجود اختلاف فكري وتوجّهات متباينة - نسبيا-لا تمنع التسليم بمكانته ومقامه، ولا يعني ذلك التوافق التام مع كل مواقفه، التي تبناها سابقا أو لاحقا.
ولعل موضوع اختلافه مع بعض الوجهاء في موضوع نقل (الوقف الشرعي للحسينية) الى الأحساء، منذ أكثر من عقدين، وانتهت بخلاف ما أراد هو، خير مثال على ذلك.
ومن الانصاف أن لا نغيّب منهجا عامّاً توافق عليه المجتمع خلال (٣٥) عاما، في مواقف وآراء سابقة للسيد السلمان السابقة للعام ١٤٢٩ هجري، بما تحلّى به من مثابرة للحفاظ على حقوق الطائفة في مدينة الدمام، بإسناد ودعم اجتماعي لا يستهان به، بدءاً من الإصرار على تأسيس المسجد في حيّ (الشُعَيبة) ثم في حيّ بورشيد بإقامة صلاة الجماعة على أنقاضه بعد هدمه وإزالته، لفترة شهور، مروراً بإقامة الصلاة في مسجد الإمام الحسين قبل إتمام بنائه منذ عام (١٤٠٣ هجري) صيفا وشتاءاً دون تكيف أو إضاءة، حتى بلغ الأمر أن منعَ السيد السلمان رسمياً عن إمامة الصلاة بالمسجد ضمن (التعهدات) التي أشار لها الباحث(١٧) ليتم تسليم إدارته لشيعة الدمام وتثبيته (رسميا) باسم (جامع الإمام الحسين) ..!
إن هذا الانصاف يقتضى أيضاً أن نعذر من تحفظ (بشدة) على منهج السيد السلمان في الأعوام (٥) الأخيرة بسبب عدم تقبّلهم لمنهجه في إدارة الشأن العام بمواقفه وآراءه التي أبداها وأعلنها ( من خلال اعتبارية المؤسسة الدينية الوحيدة للمجتمع بالدمام) حول بعض الأمور العقائدية، كما يراها البعض، أو تعبدية، كما يراها البعض الآخر، أو اجتماعية، كما يراها غير هؤلاء وأولئك، أوغيرها مما يمس الجميع، سواء في المسجد(الوحيد) أو في (الوقف الشرعي المشترك) المعروف باسم (المجلس الكبير).
فحينما نعود الى ما نقله الباحث عن علاقة السيد علي السلمان بمحيطه الاجتماعي وقوله ( فتارة يُتهم باحتكار المسجد له ولأبنائه) فإن تاريخ الصلاة بالمسجد (الوحيد) الذي امتد على مدى ٢٨ عاما منذ عام ١٤٠٧هجري، مع وجود طلبة وعلماء دين، ومنهم أساتذة في الحوزة العلمية، لا يمكن تجاهل مقامهم العلمي، منذ عام ١٤١٤ هجري في الدمام، إن هذا التاريخ هو الذي يحدد حقيقة هذه التهمة من عدمها أو نسبيتها على أقل تقدير، خصوصا إذا نظرنا الى أيام الجمعة (فقط) التي بلغ عددها أكثر من (١٣٠٠) جُمعة، وهي خلاف الفترة التي تولّى فيها سماحة المرحوم السيد أحمد الطاهر إمامة المصليّن، بعد منع السيد علي السلمان عن إمامة الصلاة لفترة من الزمن.
فلننظر إذا، كم هي نسبة مشاركة (غير) السيد السلمان وأبنائه، من علماء الدمام وفضلائها الذين تقدموا لإمامة الصلاة (يوم الجمعة) في هذا المسجد وخطبوا فيه، من هؤلاء العلماء الذين لم تخلوا الدمام منهم منذ عام ١٤١٤ هجري، هل تتجاوز أصابع اليدين من (١٣٠٠) ..؟
ومما يلفت النظر أيضا في هذا السياق، أن الأيام التي يتغيّب فيها السيد السلمان، بسبب سفره إلى الحج، بشكل سنوي، لا يخلفه غير أحد أبنائه، بل، إنه يستحضر أحدَهما من مدينة (قم المقدسة) لهذه المهمة، حتى مع وجود عدد كبير من طلبة العلوم الدينية والفضلاء في هذه المدينة وممن يأمّون المصلين في جماعات أخرى بنفس المدينة.!
إن هذه الحقيقة المؤلمة، هي جزء من تاريخ لا يمكننا تجاوزه، ولا يمكننا أن نتنكّر له مهما قدّمنا من ظروف مانعة أو قاهرة، إلاّ أمراً واحدا، وهو أن السيد السلمان، لم يستطع تهيئة شخصيات بديلة من أبناء المجتمع الكبير عبر (٤٠) عاما من غير أبنائه لتحمّل مسؤولية إدارة الشأن العام، وهذا أمر لا يمكن تقبّله ولا الاقرار به..!
إن هذه المعطيات (الواقعية) هي التي تلزمنا بقراءة التاريخ كما هو، وأن تكون دقتها وسياقاتها هي القواعد التي نبني عليها تقييمنا واستنتاجنا، إذ لا يمكن اطلاق وصف (الباحثين عن القيادة والبروز مهما كان الثمن) على شريحة هامة من هذا المجتمع، فهو اتهام (شنيع) وتشكيك في النوايا كان من الأنسب أن يترفع عنه الباحث الموقر، لأنه كذلك.
في الختام أرجو أن تكون هذه السطور إكمالا لما قدمه الأستاذ الباحث خالد النزر بشمولية تتبعه واهتمامه مشكورا، لهذه المرحلة الهامة والدقيقة لمجتمع عمل جاهدا في بناء ذاته مع الاحتفاظ بهويته، وبتضامن مع قيادة اجتماعية ودينية ووطنية، تحمّل كلٌ منهم مسؤوليته على أحسن وجه، أمام الظروف المريرة التي مر بها هذا المجتمع الناشئ منذ بداية تكوّنه.
(*) نُشر هذا البحث في «مجلة الساحل» الفصلية بالعدد رقم (٢٢)
بقلم :السيد أحمد النمر الصائغ
هوامش:
١-انظر صورة الاستفتاء المؤرخ في ١٣٨٣/٩/٢٠ هجري.
٢- انظر صورة الاستفتاء المؤرخ في ١٥ شعبان ١٣٨٥ هجري.
٣- انظر صورة الاستفتاء المؤرخ في ١٥ شعبان ١٣٨٥ هجري.
٤- أفادنا بذلك السيد حسن الناصر المبارك (بوأحمد)، وهو ممن استقر في مدينة الدمام (حيّ الدواسر) منذ عام ١٣٨٠ هجري وممن عاصر فكرة إنشاء المسجد والحسينية فيها آنذاك.
٥- صفحة رقم (٥٣).
٦- صفحة رقم(٥٥).
٧- - صفحة رقم (٥٦).
٨- صفحة رقم(٥٦).
٩ - لا علاقة بترتيب الأسماء بتناوبهم على الصلاة، فهو ترتيب عشوائي.
١٠ - لا علاقة بترتيب الأسماء بتناوبهم على القراءة الحسينية في المأتم، بل هو ترتيب عشوائي.
١١ - اعترض بعض رجال الصاغة على نقل قيمة هذه الحسينية (الوقف الشرعي) بعد أن عزم السيد علي السلمان نقله إلى الأحساء، وقد حسم الأمر شرعياً بإبقاء الوقف في نفس موطن الواقفين.
١٢ - استفدنا هذه الملاحظة من الأستاذ السيد أحمد العلي النمر، وهو ممن استوطنوا مدينة الدمام منذ عام ١٣٨٥ هجري، فمن النادر أن نجد وقفا مشتركا غير عائلي، وهو مما يميّز هذا الوقف عن غيره، ولعله أول وقف شيعي فيها.
١٣ -لا يزال هذا المأتم مستمراً حتى هذا التاريخ.
١٤ - توقف المأتم بعد وفاتها في بداية عام ١٣٨٩ هجري.
١٥ - لا يزال هذا المأتم مستمراً حتى هذا التاريخ، علماً أنه تأسس في مدينة المبرز بالأحساء قبل عام ١٣٦٠ هجري.
١٦- والمقصود بالمسجد هنا هو مسجد الإمام الحسين بحي (العنود) ويعتبر هذا المسجد، هو الوحيد للشيعة بمدينة الدمام، وهي أرض مقتطعة من حصص المساهمين من حصص المساهمين في مخطط حيّ العنود، وليس كما راج لدى البعض بأنها تبرعات من أحد أو جهات أخرى، وأما بنائه فقد ساهم فيه كثيرٌ من المؤمنين، وليس جهة واحدة.
١٧ - صفحة رقم (٥٧).
اسمي السيدة فاطمة أحمد. وأنا امرأة سعيدة اليوم. بينما أتحدث، قلت لنفسي أن أي شركة قروض أو مقرض يمكنه تغيير حياتي المحطمة وحياة عائلتي، سأحيل أي شخص يبحث عن قرض إليهم. لقد منحوني السعادة وعائلتي، وكنت بحاجة إلى قرض بقيمة 60 ألف دولار وحصلت على القرض في غضون 72 ساعة دون أي ضغوط. إذا كنت بحاجة إلى قرض ومتأكد من سداد القرض بنسبة 100٪، يرجى الاتصال بهم اليوم وإخبارهم أن السيدة فاطمة أحمد قد أحالتك إليهم، يمكنك الاتصال بهم عبر البريد الإلكتروني (contact@sunshinefinser.com) WhatsApp: (919233561861+) ) أتمنى لك التوفيق وشكرا بارك الله فيك
ردحذف