هل حان تشتيت الأمة بعد تشتيت الفلسطينيين.؟
هناك شعورٌ وإدراك لجهود حثيثة لإغلاق ملفات كبيرة جداً ليس بسبب خطورتها، بل لأنها تمثل عوائق أمام رؤية إستراتيجية جديدة تحاول الإدارة الأمريكية فرضها على المنطقة - الأهم استراتيجياً واقتصادياً - فالوقوف قليلاً أمام بعض الأحداث التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً نجد أنها حلقات في سلسلة تؤدي إلى غاية محددة وهدف واضح.
كان من أهداف غزو العراق زرع الوجود العسكري الأمريكي في تلك المنطقة بجوار خصمهم اللدود إيران مع تأكيد العراقيين وإصرارهم، فبعد محاولات الإدارة الأمريكية والضغط الشديد على الحكومة العراقية لم يبدر من العراقيين غير الإصرار على خروج الجيش الأمريكي وعدم احتفاظهم بأي تميّز كوجود مدربين عسكريين وباءت محاولاتهم بالفشل أمام إصرار واضح من الجانب العراقي حتى تم أُعلن بالفعل موعد مغادرة آخر دفعة من الجنود الأمريكان من العراق.
القاعدة، طالبان، ابن لادن... لعل هذه المفردات من أكثر ما تصدّر الملفات الإعلامية بما يتعلق بمحاربة الإرهاب بعد «11/9»، ما هو مفاجئ هو المحاولات التي بدأت سريعة جداً وفي انعطافة ملفتة لإغلاق ملف ابن لادن والقاعدة في أفغانستان بعد مطاردة استمرت لأكثر من عشر سنوات ومواجهات عسكرية بزعم البحث عن شخص أسامة بن لادن كمتهم..!
إن ما أعلنته صحيفة صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية من فضيحة تحت عنوان "مذكرة بوابة" على لسان دبلوماسي أمريكي " منصور إعجاز" من أصل باكستاني يطرح الكثير من التساؤلات حول هذا الملف بتصفية "ابن لادن" دون محاكمته " خاصة أن المحكمة العليا في باكستان تقارن حاليا فضيحة "مذكرة بوابة" بفضيحة "ووترجيت" بحسب صحيفة الوفد المصرية يضاف إلى ذلك ما أقدمت عليه القوات الأمريكية من قصف متعمد كان ضحيته «24» من الجنود الباكستانيين بلغت نتيجته تهديد العلاقة بين البلدين، في مرحلة يتم فيها " إعادة تأهيل" لمنظمة طالبان في أفغانستان عبر حوار مباشر مع حكومة "كرزاي"، فهل كان ذلك "إعلان رسمي" لإغلاق ملف تلك الحقبة.؟
في ربيعنا العربي، تسود حالة من الوئام والانسجام بين الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي جاءت ولا يزال " حصار غزة" مستمراً وبعد تصفية "ابن لادن" كحالة مستغربة لا تتفق مع أيدلوجية "الإخوان المسلمين" كتيار إسلامي عُرف بخصومته مع السياسة الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي.
أما ما برز أخيراً وبدت معالمه واضحة بما يشبه " صفقة معقودة " بين الأخوان المسلمين والإدارة الأمريكية فكان من نتائجها هو التعجيل بتصفية "ابن لادن" دون اعتقاله كعلامة بارزة لإغلاق ملف «11/9» برمته لفتح صفحة جديدة ستمثل ملاحقته توتراً بين الحين والآخر وإرباكاً لتلك التيارات مع قواعدها الشعبية فكيف بمحاكمته التي ستفتح ملفات لا تتحملها.؟، وما أعقبه من تصريحات لرمزين من رموز التيارات الإسلامية " القرضاوي والغنّوشي" وبدت في تصريحاتهما تحولات بارزة في نسق التعاطي مع الواقع الجديد ولعل أبرزها تصريحات "الشيخ القرضاوي" لصحيفة "الفايننشال تايمز" فيما يتعلق بالتمهيد لقبول " الكيان الصهيوني" كجزء من الواقع الإقليمي في انعطافة حادة.!
وليس هناك تنكراً لتحرك الشعوب العربية ولا قدحاً بإرادتهم للتغيير في مواجهة استبداد النظم الحاكمة في بلدانهم بشكل عام وفي تونس ومصر بشكل خاص، وإنما يجب ملاحظة حيادية الجيش في كلا البلدين كأمرٍ ملفت - أعني حيادية الجيش بعدم التدخل - فهي حيادية لا تنسجم مع طبيعة النظامين الحاكمين في هرمي الإدارة ولا تنسجم مع تاريخ العلاقة مع مثل هذه التحركات السابقة خلال العقود المتأخرة في كلا البلدين، بل، يضاف لذلك الوقفة الإعلامية مع تحرك الشعب التونسي والمصري من قبل فضائيات وأجهزة إعلامية بكسر واختراق المألوف في العلاقة بين نظم الدول العربية والخليجية بشكل خاص ولعل ما جاء على لسان " نعوم تشومسكي " شاهداً على ما يجري في أحد محاضراته التي بُثت أخيرا حول السياسة الأمريكية وما تقوم به في الربيع العربي نصّاً: إن أمريكا وحلفاؤها لا تريد حكومات تعبر عن إرادة الشعوب، فلو حدث هذا لن تخسر أمريكا سيطرتها على المنطقة وحسب، بل أيضاً ستطرد منها» انتهى.
ما يشعر به الكثير من المراقبين أن ما حدث ليس إلاّ مقدمات ووسائل يتم من خلالها التحضير لمرحلة أخرى أكثر خطورة وهي " تأجيج الفتنة الطائفية" وقد بدت معالمها واضحة في استدعاء "النموذج التركي" وتسويقه في مقابل " نموذج إيراني" في ذات الوقت الذي نجد فيه التحريض الطائفي يطغى إقليمياً ويحضّر عبر وسائل إعلامية "رسمية وشبه رسمية" داخلياً بشكل سمج في مناطق التماس كلبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية.
فهناك مقاومة إسلامية "مسلحة" فلسطينية ولبنانية ومقاومة إقليمية "سياسية "سورية ولبنانية وإيرانية ومقاومة شعبية "حزبية" مصرية وأردنية وهناك من يريد التفكيك بين مكونات هذه المقاومة لأمور وأهداف أبعد بكثير من احتلال فلسطين، ولن يتمّ ذلك - بحسب الرؤية الأمريكية والصهيونية - دون احتواء التيارات الإسلامية في داخل بلدانها وترضيتها بالتماهي مع تلك الغاية والمشروع الأخطر بإعطائها جزءاً هامشياً من القرار ومحاولة دمجها في أجهزة النظم الحاكمة وتقييدها بتمييعها في السلطة بعد أغلقت أمامها منافذ المشاركة في الحكم على مدى عقود فلم تجد أمامها إلاّ القضية الفلسطينية التي تشكل قاعدة يجتمع عليها أغلب الأطياف العربية قومية أو وطنية أو إسلامية حيث لا اختلاف بينهم على " وجوب تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني" وأن الكيان الصهيوني ما هو إلاّ صنيعة وثوب لاستعمار حديث.!!
--------------------------
.
.
.
.
(تم نشر هذا المقال في صحيفة موقع صحيفة الوطن الجزائرية) في شهر ١٢ من عام ٢٠١١م
تعليقات
إرسال تعليق