البابا يتشرف بزيارة النجف الأشرف
وإن تأخرت زيارة بابا الفاتيكان للمرجعية الدينية في النجف الأشرف، إلّا أنها تحققت. كان التجاهل الرسمي من المؤسسات الدولية والسياسية للمرجعية الدينة ممثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني، بما تمثله في العالم الاسلامي عموما وللشيعة خصوصا، في أصعب الظروف التي عاشها العراقيون بكافة أطيافهم ودياناتهم وبملاحظة الأحداث الخطيرة التي تسارعت في العالم وترابط بعضها ببعض على امتداد مساحة جغرافية في عدة دول، أسبابا أو نتائج، انطلاقا من تثوير سلبي لـ"الاثنيات" العرقية والدينية والطائفية، لذلك كان هذا اللقاء متأخرا نسبيا.
كل ذلك يشير إلى الحاجة الملّحة لمثل هذا اللقاء على المستوى الانساني، لاستعادة التوازن الأخلاقي واستعادة العلاقات الانسانية بين المختلفين دينيا واستعادة التوازن في الساحة العالمية بين السياسة ومصالح المختلفين والمتنافسين عليها.
أما الدور الرئيس لـ"فتوى المرجعية" التي كانت درعا وحصنا حصينا أمام أبشع تطرف "باسم الدين" وما شهدته أرض العراق حتى انتقل ببشاعته ونار لهيبه إلى أصقاع الأرض، فكانت ملاذا آمنا لضحايا تلك الوحشية للحفاظ على كياناتهم الانسانية وملاذا للإنسان في العراق بكل أطيافه ومذاهبه ودياناته، وكانت كذلك منارا رأى فيها الفاتيكان مصدرا إشعاعيا لا يمكن تجاهله لوجود "مشترك" بينهما، حيث العنوان "الديني والأخلاقي".
لم تختزل المرجعية المباركة هدفها لحفظ الانسان بأتباعها من الشيعة فقط، وقد اختزلها بيان مكتب المرجعية في كلمات سماحة السيد السيستاني (عما يعانيه الكثيرون من الاضطهاد الديني والفكري) وكذلك (ما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر).
ومن جانب، لا يمكن التغافل دور السياسات الغربية في وجود تلك (المآسي) ومن جانب آخر، فلا يمكن تجاهل تأثير نفوذ تلك السياسات على توجّهات الفاتيكان وتماهيه مع تلك السياسات التي ترسمها دوائر صناعة القرار في الغرب، خصوصا لأهم الملفات الخلافية في العالم، بالحد الأدنى، وتأثير تلك السياسات في تصويب مواقف الفاتيكان وتجييرها لخدمة المصالح الغربية.
من هذا الزاوية - المعتمة- يمكن فهم أسباب تأخر هذه الزيارة التي جاءت تتويجا لمواقف المرجعية النابعة من الاسلام المحمدي النابع من فكر ومدرسة آل البيت (عليهم السلام) الذي تكالب الغرب على حجب تأثيره عن الرأي العام، والمناقض للفكر الداعشي المتوحش والمتطرف، الذي تكالب الإعلام المشبوه والمريب ومن وراءه من دوائر المصالح الغربية لترويجه زورا وبهتانا بمسمى الدولة (الاسلامية) بعد تصنيعه ثم سقوطها بقوة المرجعية وبركتها، وبعد اليأس الغربي من تعطيل مفاعيلها وأثرها الإيجابي في الساحة العالمية. لقد أكد بيان المرجع الإسلامي سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، بعد ذلك اللقاء التاريخي على قواعد هامة بالتأكيد على الدور الصحيح لرجال الدين ووظيفتهم الأخلاقية والانسانية لما فيه مصلحة البشرية عامة، ودورهم خصوصا في العالم في خضم ما تعانيه الشعوب من (المآسي).
ومن الأهمية قراءة مكان هذه الزيارة وهذا اللقاء التاريخي في (العراق) بما يمثله من ثقل اللقاء روحيا وأخلاقيا، وبما يشهده العراق من تحولات تاريخية وصراع نفوذ منذ سقوط الطاغية صدام حسين وانحسار النفوذ الغربي في هذا الموقع الجغرافي الهام في منطقة الشرق الأوسط، بما فيه من إرث ثقافي قائم على الوئام والتعايش الوطني في تنوع فسيفساء ديني ومذهبي كبير.
فهل حقق "بابا الفاتيكان" أهدافه من هذا اللقاء، وهل هو مقتصر على تقديم الشكر عن مواقف المرجعية السابقة، وما هو الجانب السياسي المستتر من وراء ذلك؟.
وأخيرا، كيف سينعكس آثر هذا اللقاء في ساحة صناعة القرار العالمي والدولي، بعد هذا الزخم الكبير الذي رافق هذه الزيارة...؟
٢٣ رجب ١٤٤٢ هجري
تعليقات
إرسال تعليق