تاريخ الشيعة بالدمام
![]() |
مسجد الإمام الحسين بالدمام |
لم أكن راغباً في التطرق لبعض من « تاريخ الشيعة في مدينة الدمام » لولا أن الحقيقة غاية العقلاء والمنصفين ولولا خشيتي من تكريس صورة مغلوطة وموهومة تقوم على رهن تاريخ التشيع في هذه المدينة بفلان أو بفلان ، بل تكاد أن تلتبس تلك الصورة المغلوطة على كثير ممن لم يعاصر بعض الأحداث التاريخية أو لم يحط بتفاصيلها و لم أكن لأتطرق لها لولا الخشية من سلبيات «طمس» دور هذا المجتمع الإيجابي والفاعل والمؤثر وسلبية مصادرة جهوده-بحسن نيّة- من بعض من كتبوا حوله.
ومما يحزّ في نفوس الاخرين أن تُصادر جهود مجتمع كامل وأجيال متعاقبة - حتى لو جاء ذلك بغير قصد أو جاء بحسن نيّة - ومما يزيد في الحزازات أن لا تتم المبادرة لتوضيح الحقيقة أو تبقى بغير توجيه و لا تقويم..!
ولا أعتقد بوجود «عاقل منصف» يود أن يكتب التاريخُ غيرَ الحقيقة والواقع كما هو دون مبالغة أو إجحاف، كما لا أعتقد بوجود مخلص سيتنكر لجهد مجتمعه الذي ينتمي له، ولا مخلص في تديّنه سيجادل أمام حقائق لا يزال رجالها أحياء يرزقون وهو قادر على تصحيح فهمه عن معلومات وردت متضاربة لمسامعه..!
فمع بروز بعض التباينات الاجتماعية في مجتمع شيعة الدمام خصوصاً، وبروز «تباينٌ شديد» بين الطائفة حول آراء «عقائدية» ومواقف «اجتماعية» من الوضع العام لأحد علماء الدين «البارزين» بالدمام وهو «السيد علي الناصر السلمان» مما تسبب بوجود نوع من التضاد والتنافر بين تطبيل محدود ومديح خجول ونقد واسع وعريض، بسبب «موقعه شبه الرسمي في هرم الحوزة العلمية» بالأحساء.
كما تسببت مواقفه تلك في إرباك شديد لمن حاول - من موقع الدفاع - تحسين صورته التي اهتزت كثيرا حتى في نفوس بعض مريديه، بسبب تلك المواقف المثيرة للدهشة والاستغراب، مما دفع بعضهم الخوض فيما لا يحسن قوله، ودفع البعض الآخر للتبجيل دون موضوعية تذكر.
ولعل غياب مراحل نمو المجتمع الشيعي بمدينة الدمام وتاريخه عن وسائل الإعلام أو«تغييبها اجتماعياً» هو ما أوقع بعضهم في أوهام واشتباهات لا يليق السكوت عنها للأمانة العلمية والتاريخية.
إن مجتمع «شيعة الدمام» حاله كحال بقية المجتمعات الشيعة في العالم من حيث التحولات الثقافية والحراك الاجتماعي في محيطه بما فيه علماؤه وزعمائه، و إن اختزال جهود هذا المجتمع في «شخص واحد» خطأ استراتيجي وإجحاف كبير بمجتمع كبير سبق استقراره ووجودُه زمنيا استقرار وتواجد «سماحته» بينهم بسنوات عديدة من خلال إقامة صلاة الجماعة ويشهد بذلك المسجد الواقع بجوار منزل المرحوم الحاج عايش البوصالح منذ حدود عام ١٣٨٨ هجري بمنطقة السوق «الديرة» وكذلك إحياء المجالس الحسينية منذ عام ١٣٧٥ هجري ويشهد بذلك العديد من المآتم الحسينية كمنزل «المرحوم عبدالله اللويم»ومأتم « الحاج حسن النمر» المؤرخ تأسيسه في عام ١٣٧٨ هجري وكذلك الحسينية العامة التي تمّ شرائها «بيت البسام» في «منطقة الديرة» أيضاً في حدود عام ١٣٨٧ هجري، كما يشهد بذلك الحراك اعتقالُ أحد وجهاء الشيعة وهو «المرحوم الحاج عيسى البشر» قبل حدود «نصف قرن» وكل ذلك قبل استقرار واستيطان سماحته بهذه المدينة ثم غير «الحاج البشر» في سنوات لاحقة ...!
فهل تقبل المرؤةُ أو يُعد من «الإنصاف» سحقَ مجتمع كامل ومصادرة جهوده وإن كان ذلك لم يتجاوز مسجداً وحيداً « ولا شيئ سواه » فقط من أجل تعزيز موقع «شخص واحد» أياً كان مقامه أو لتكريس هذه الصورة المغلوطة - سهواً أو عمداً- حتى بعنوان المصلحة العامة..؟
إن حالة الوعي العام التي ننشدها جميعا بين أفراد مجتمعنا لا تسمح أخلاقياً و أدبيا بذلك، ولو حدث مثل هذا فهو مما يوجب التصحيح - والاعتذار إذا اقضت الضرورة- لتبقى الحقيقة ناصعة أمام الجميع، وهذا منهج العقلاء والمنصفين، حيث لا يعقل - منطقياً - تجيير ما تحقق وتمّ إكتسابه من حقوق للشيعة بجهودهم مجتمعين - بما فيهم سماحته - في مرحلة لاحقة وهو الحصول على ترخيص لمسجد «وحيد» للطائفة بالدمام في عام ١٤٠٧ هجري بعد أن « مرّ بمخاض عسير ومراحل طويلة »(١) واجتزاؤه بمعزل عن المتغيرات العامة في المنطقة العربية عموما وبعد نجاح الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني (قدس الله نفسه الزكية) خصوصاً، وما أحسن ما أوجزه «سماحة الشيخ فوزي آل سيف» في أحد محاضراته القيّمة بقوله:
الناظر إلى العقود الخمسة الماضية - الخمسين سنة الماضية- يجد أن ما قبل ثلاث عقود كان وضْعُ شيعة أهل البيت في حالة خمولٍ وانكسار، فلا يوجد هناك نقطة تبعث الأمل بشكل كبير، لا في داخل مجتمعاتهم ولا من الخارج، تغيّر هذا الأمر خلال هذه العقود الثلاثة الأخيرة، فأصبحنا أمام حالة من الانتعاش النفسي المعتمد على تحقّق عدد من الانجازات والنجاحات تمثّل في إقامة دولة وفي نجاح مقاومة وفي حضور شيعة أهل البيت على رأس الهرم السياسي في المنطقة العربية، بالاضافة إلى حضور إعلامي وفضائي واضح)(٢).
ما أراه في هذه الخلاصة السريعة، إن المساهمة في ترويج صور خاطئة تظهر المجتمع المتحرك بالخامل أو رسم دور قياديلأفراد مبالغ فيه ، أو محاولة للتستر على أخطاء كبيرة لهؤلاء الأفراد يمثّل تشريعاً لتلك الأخطاء وعجزاً عن تصحيح ما يترتب عليها من آثار، ويمثّل كذلك تأسيساً لمسار انحرافات اجتماعية خطيرة، وهذه نتيجة حتمية بالضرورة، مهما أوجدنا من ذرائع لتبريرها...
إننا لن نجد منهجاً للإنصاف أكثر قبولاً حتى بين المختلفين من قوله تعالى {{ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ }} ولن نجد منهجاً للمودة أسرع أثراً من قوله تعالى {{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }}
----------------------------------------
(١) خالد النزر، ص ١٤٥من كتاب «سيد العطاء»
(٢) من محاضرة بعنوان : مستقبلنا في العالم الاسلامي -محرم ١٤٣٤ هجري.
تعليقات
إرسال تعليق